صادرات النفط الإيرانية عرضة للعقوبات

11/20/2022

الكاتب: هنري روم

تواصل إيران تصدير كميات كبيرة من النفط، الأمر الذي يوفر لها مصدراً رئيسياً للدخل - وهدفاً محتملاً لزيادة الضغط الاقتصادي على النظام.

في الأشهر الأخيرة، انخرطت إيران بشكل متزايد في انتهاكات قرارات الأمم المتحدة والمعايير الدولية، من إرسال أسلحة إلى روسيا لاستخدامها ضد أوكرانيا، إلى قمع الاحتجاجات الجماهيرية بوحشية في الداخل، وإلى تطوير برنامجها النووي بطرق لا رجعة فيها. وعلى الرغم من أن الحكومات الغربية ردّت على هذه الإجراءات من خلال فرضها عقوبات جديدة محدودة على طهران ومحاولة عزلها دبلوماسياً، إلا أنها لم تبدأ حتى الآن بالضغط عليها بشكل كبير.

ويشكّل قطاع الطاقة أحد المجالات المحتملة للقيام بذلك، حيث يمكن أن يؤدي الضغط المنسق إلى قطع مصدر رئيسي للدخل الحكومي. وقد حافظت إدارة بايدن على العقوبات المفروضة بموجب حملة "الضغط الأقصى" التي كان قد أطلقها سلفه، ولكنها لم تطبقها بصرامة، مما سمح لإيران بزيادة صادراتها من الطاقة على مدى العامين الماضيين. وفي حين تُعتبر العقوبات التي أصدرتها وزارة الخزانة الأمريكية في 3 تشرين الثاني/نوفمبر خطوة في الاتجاه الصحيح، إلا أنها ليست خطوة في إطار حملة ممنهجة. وقد يؤدي اتباع مقاربة أكثر قوة إلى فرض تكاليف أكبر على طهران بسبب سياساتها النووية والإقليمية والمحلية.

شريان الحياة للنفط
على مدى الأشهر الثلاثة الماضية، تراوح متوسط صادرات النفط الإيرانية بين 810 آلاف و1.2 مليون برميل يومياً من النفط الخام والمكثفات (هيدروكربون سائل خفيف)، وفقاً لتقديرات "تانكر تراكرز" و"فورتيكسا" و"كيبلر" ومنظمة "متحدون ضد إيران النووية". وذهب معظم هذا التدفق إلى الشركات في الصين، حيث استلمت كيانات في سوريا والإمارات وفنزويلا بعضها أيضاً (من المحتمل إعادة تصدير النفط المرسل إلى الإمارات العربية المتحدة إلى آسيا).

غير أن هذه الأرقام أقل بكثير من الكمية التي كانت إيران تصدرها في أوائل عام 2018 والبالغة حوالي 2.7 مليون برميل يومياً، قبل انسحاب إدارة ترامب من «خطة العمل الشاملة المشتركة» وإعادة فرض عقوبات ثانوية. لكنها أعلى بكثير مما كانت عليه في ذروة حملة الضغط القصوى التي شنها ترامب، عندما انتهت إعفاءات استيراد النفط في أيار/مايو 2019 وانخفضت الصادرات الإيرانية إلى 500 ألف برميل يومياً أو أقل من ذلك.

ومع بدء المفاوضات لإحياء «خطة العمل الشاملة المشتركة» العام الماضي، قررت إدارة بايدن عدم فرض عقوبات قصوى بشكل صارم بالقول أو الفعل، واستنتجت على ما يبدو أن هذا من شأنه أن يضعف الآفاق الدبلوماسية وأنه غير ضروري في النهاية لأن الاتفاق النووي سيتم إحياؤه بسرعة. وعلى الرغم من التقارير التي أفادت بأن المسؤولين منحوا الأولوية للجهود الدبلوماسية الخاصة لتشجيع الصين على تقليص مشترياتها، إلا أن الولايات المتحدة لم تفرض أي عقوبات مرتبطة بالطاقة على إيران قبل حزيران/يونيو 2021، وفرضت دفعتين أخريين فقط في بقية العام (في آب/أغسطس و أيلول/سبتمبر)

وتم زيادة تدابير تطبيق العقوبات في عام 2022 - وإحمالاً، أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية لإدارة بايدن عشر جولات من العقوبات المرتبطة بمبيعات الطاقة الإيرانية. ومع ذلك، كانت هذه الجهود متقطعة وليست جزءاً من حملة أوسع نطاقاً، ولم يكن لها تأثير ملحوظ على أرقام الصادرات الإيرانية أو عملية صنع القرار في النظام الإيراني. وقد تكون سياسة التطبيق المحدود للعقوبات قد جعلت طهران تقلل أيضاً من ضرورة إعادة إحياء الاتفاق النووي من خلال منحها دعماً اقتصادياً قيّماً وتقویض الفوائد المحتملة لتخفيف العقوبات رسمياً عنها. وبشكل عام، كانت الإشارة إلى أسواق النفط واضحة: لقد انخفض خطر التعامل مع النفط الإيراني.

تتبُع أثر المال
لا تعكس أرقام الصادرات المذكورة أعلاه الواقع كاملاً لأنها لا تأخذ في الحسبان العائدات التي تحققها إيران من صادراتها. ووفقاً لبعض التقارير، تُثبت الهوة بين العائدات التي يجب أن يكسبها النظام وتلك التي يحققها، مدى تكلفة تجارة النفط سراً - وأنه يجب على صناع السياسة الأمريكيين السعي إلى توسيع هذه الهوة.

ويلعب النفط دوراً رئيسياً في قدرة الجمهورية الإسلامية على تحقيق الإيرادات والحصول على العملة الصعبة. وخلال العام المالي الحالي (آذار/مارس 2022 - آذار/مارس 2023)، توقعت إيران تصدير 1.4 مليون برميل من النفط يومياً بسعر 70 دولاراً للبرميل وهو ما يمثل حوالي ثلث إجمالي إيراداتها. ومع ذلك، لا تحتفظ الحكومة بجميع الأموال التي تحققها من هذه المبيعات - 40 في المائة مستحقة لـ "صندوق التنمية الوطنية" و 14.5 في المائة لـ "الشركة الوطنية الإيرانية للنفط". وتحصل الحكومة على النسبة المتبقية (45.5 في المائة)، مع تخصيص جزء صغير لمشاريع في الأجزاء الأقل نمواً من البلاد. (ورغم أنه إذا لم تصل الحكومة إلى أهدافها المتوقعة، إلّا أنه يُسمح لها بالاستفادة من "صندوق التنمية الوطنية" لتغطية الفجوة.)

وتُخصص إيران في ميزانيتها جزءاً من عائدات النفط لتمويل وارداتها من السلع الأساسية بسعر صرف مدعوم. لكن الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي وسلفه دأبا على تقليص لائحة السلع المؤهلة للحصول على هذا الخصم؛ ونجح رئيسي في وقف تطبيق هذا النظام بالكامل تقريباً هذا العام، مما تسبب في اضطرابات وبضغوط تضخمية في السوق. ويتم أيضاً توجيه بعض عائدات النفط مباشرةً إلى المنظمات العسكرية، بما في ذلك «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني.

وعلى الرغم من أن الحكومة لا تصدر بيانات الموازنة إلا بشكل دوري، إلا أن المعلومات المتاحة تسمح ببعض التقديرات لما تحققه بالفعل من عائدات النفط. فبين نيسان/أبريل وتموز/يوليو 2022، أعلنت عن تحقيق أرباح قدرها 650 تريليون ريال من مبيعات النفط. وعند احتساب سعر تحويل النفط (230 ألف ريال للدولار) ومخصصات "صندوق التنمية الوطنية" و"الشركة الوطنية الإيرانية للنفط"، تكون الحكومة قد حققت نحو 6.2 مليار دولار - ولكن كان ينبغي أن تكسب أكثر من ذلك بكثير.

وبسبب القيود الأمريكية، لا تتقاضى إيران "السعر الرسمي" لقاء النفط الذي تبيعه. وهناك عدد من العوامل التي تساهم في تقليص إيراداتها: فعلى النظام بيع النفط بخصم لتشجيع المشترين الذين يتجنبون المخاطرة، والانخراط في جهود سرية مكلفة لإخفاء مصدر النفط، وتجاوز القيود المصرفية التي تحدّ من نفاذها إلى الإيرادات المستحقة. علاوة على ذلك، يساعد «الحرس الثوري» الإيراني في تهريب هذا النفط وسحب بعض أموال البيع لدعم أنشطته وتمويل الميليشيات الأجنبية التابعة له.

ووفقاً لمختلف شركات التعقب، تراوح متوسط صادرات النفط الإيرانية بين نيسان/أبريل وتموز/يوليو من هذا العام بين 620 و980 ألف برميل يومياً (بما في ذلك الصادرات الإيرانية من المكثفات، ولكن باستثناء الصادرات إلى فنزويلا وسوريا، نظراً لأن الحكومة قد لا تحصل على مدفوعات مباشرة مقابل هذه المبيعات). وعند ضرب هذه الأحجام بمتوسط سعر "برنت" البالغ 113 دولاراً وطرح المخصصات المذكورة أعلاه، كان من المفترض أن تكون الحكومة قد حققت ما بين 8.6 و 13.5 مليار دولار من هذه المبيعات. بعبارة أخرى، خسرت ما يصل إلى نصف عائداتها النفطية بسبب الخصومات، وتكاليف المعاملات، وعجزها عن الحصول على الأموال، وعوائق أخرى.

الخيارات السياسية
لتوسيع الهوة بين عائدات النظام المحتملة والفعلية من مبيعات النفط، على الولايات المتحدة اتخاذ خطوات ترغم طهران على تبني استراتيجيات أكثر تكلفة وتعقيداً في السوق السوداء - بشكل أساسي من خلال زيادة تصورات المخاطر للشركات والبنوك والحكومات المشاركة في هذه التجارة أو السماح بها. على وجه التحديد، يجب على واشنطن:

الضغط على الدول لبذل المزيد من الجهود محلياً لتطبيق العقوبات من خلال الإشارة إلى أن كل برميل تبيعه إيران يموّل دعم النظام لغزو روسيا لأوكرانيا، وقمعه الداخلي، وأنشطته الإقليمية الخبيثة. وعلى وجه الخصوص، على المسؤولين الأمريكيين التشديد على أهمية هذه المسألة في المحادثات الثنائية مع الصين والهند وماليزيا وسنغافورة والإمارات.
تسريع وتيرة العقوبات المرتبطة بالطاقة لخلق جو من عدم اليقين والقلق بين الأفراد والشركات والبلدان المشاركة في شحن أو شراء منتجات الطاقة الإيرانية.
إصدار توجيهات محدثة من وزارتي الخزانة والخارجية و"خفر السواحل" الأمريكية فيما يتعلق بالتقنيات التي يستخدمها مهربو النفط للإفلات من العقوبات البحرية، بما في ذلك تفاصيل حول المواقع المشتركة لعمليات النقل من سفينة إلى سفينة.
زيادة المكافآت التي تدفعها وزارة الخارجية الأمريكية لقاء المعلومات المرتبطة بالشبكات المالية غير الشرعية الخاصة بـ «الحرس الثوري الإسلامي»، من خلال إطلاق جهود توعية عامة باللغة الفارسية لتسليط الضوء على البرنامج.
ويمكن تنفيذ جميع هذه الإجراءات بسرعة - على الرغم من أن استمرار عدم اليقين بشأن تنفيذ سقف أسعار على النفط الروسي قد يستدعي بعض الحذر في الأسابيع المقبلة. أما بالنسبة للمخاوف من أن يؤدي الضغط الأمريكي المتزايد إلى تراجع كبير في صادرات النفط الإيرانية، مما يرفع بالتالي الأسعار العالمية بشكل أكبر، فمن المرجح أن تتمتع السعودية بطاقة احتياطية كافية للتعويض عن هذا الخطر. وعلى الرغم من الخلافات الأخيرة بين واشنطن والرياض بشأن السياسة النفطية، إلّا أنهما تتشاركان في رغبتهما في تقييد إيران، الأمر الذي ينبغي أن يعزز التعاون بينهما على هذا الصعيد؛ كما أن للمملكة مصلحة في منع أسعار النفط من تجاوز مستوى مستدام.

أخيراً، سيتعين على واشنطن منع الإيرانيين من الرد عسكرياً على أي زيادة كبيرة في الضغط الأمريكي، كما فعلت في صيف 2019. وتشمل خطوات الردع المحتملة تعزيز الولايات المتحدة لدفاعاتها في المنطقة، فضلاً عن زيادة قدراتها في مجال المعلومات الاستخباراتية والمراقبة والاستطلاع. ويمكن أن يكون لمثل هذه الجهود فائدة إضافية تتمثل في منح واشنطن منصة أخرى لتشجيع دول "اتفاقيات إبراهيم" والمملكة العربية السعودية على التعاون في تبادل المعلومات والدفاع ضد التهديدات المتبادلة.

 

**هنري روم هو زميل أقدم في معهد واشنطن.

المصدر: خاص

أخبار متعلقة