دور قوات الأمم المتحدة في لبنان في تراجع في ظل وضع أمني سريع التدهور
على الرغم من الاتجاهات المقلقة والحوادث التصعيدية الموصوفة في التقرير الأخير للأمم المتحدة حول "اليونيفيل"، يبدو أن مجلس الأمن الدولي عازم على الحفاظ على سياسة فاشلة بدلاً من اتخاذ إجراءات عاجلة للحد من التهديد المتزايد بالحرب.
في الشهر الماضي، أصدرت الأمم المتحدة تقييمات للبنان لا تمت إلى الواقع بصلة على ما يبدو، على الأقل من حيث التقدير الكامل للأخطار التي تهدد بالانفجار على طول الحدود الجنوبية للبلاد. فعندما رفعت "المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان" تقريرها إلى مجلس الأمن الدولي في 21 تموز/يوليو بالكاد تم ذكر هذه المخاطر. بالإضافة إلى ذلك، قدّم الأمين العام للأمم المتحدة تقريره الأخير حول تنفيذ "قرار مجلس الأمن رقم 1701"، الذي اعتُمد في عام 2006 لمراقبة وقف الأعمال العدائية بين «حزب الله» وإسرائيل بعد حربهما الأخيرة. ولكن على الرغم من أن تقريره يوضح بالتفصيل الكثير من التطورات الجديدة المثيرة للقلق التي تسجَل على الأرض، إلّا أنه يقدم توصيات لا علاقة لها بالوضع الأمني العام الأوسع نطاقاً، على سبيل المثال تقرير مكتب "المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان".
وفي الإحاطة الموجزة التي قدمها مكتب "المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان"، يتم التعامل مع "وضع الحدود بين لبنان وإسرائيل" على أنه فكرة ثانوية، ورد ذكرها في نهاية قائمة طويلة من القضايا الداخلية. وفي غضون ذلك، أمضى «حزب الله» الشهر الماضي في تصعيد لهجته واستفزازاته. فبعد أن أطلق الحزب طائرات مسيرة غير مسلحة باتجاه منشآت الغاز الطبيعي البحرية الإسرائيلية في 29 حزيران/يونيو و2 تموز/يوليو، حذر زعيمه حسن نصرالله قائلاً: "إذا كان الهدف منع لبنان من استخراج النفط والغاز، فلن يستطيع أحد أن يستخرج غازاً ونفطاً ولا أن يبيعه... وأياً كانت العواقب"، مشيراً إلى أن الأهداف المستقبلية المحتملة تشمل "جميع الحقول والآبار والمنصات في جميع أنحاء فلسطين" [المقاومة تتابع كل ما يُقابل الشواطئ الفلسطينية المحتلة من «حقول وآبار ومنصات»]. ثم أعلن أن "التهديد بالحرب بل والذهاب إليها، أشرف بكثير [مما يريده العدو لنا]". وفي 31 تموز/يوليو، نشر «حزب الله» مقطع فيديو يهدد باستهداف سفن الغاز الإسرائيلية بصواريخ مضادة للسفن. ويثير هذا الكلام الفضفاض القلق وقد يشير إلى أن الدروس التي استخلصها نصرالله من حرب عام 2006 التي أُخطئ في تقديرها قد تم استبدالها بثقة مفرطة متهورة.
ويزداد هذا الخطر نتيجة التصعيد المستمر للتوترات على طول الحدود وداخل المنطقة الجنوبية التي تراقبها "قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان" ("اليونيفيل"). وكما أفادت وسائل الإعلام الإسرائيلية في كثير من الأحيان، نشر «حزب الله» آلاف من جنود المشاة من وحدة النخبة التابعة له - "قوة الرضوان" - على طول "الخط الأزرق" في انتهاك صارخ "للقرار 1701". ويشير تقرير الأمين العام للأمم المتحدة، الذي يغطي الفترة بين 19 شباط/فبراير و 20 حزيران/يونيو، إلى أن إسرائيل تواصل بناء حواجز جدارية على شكل حرف “T” على طول هذا الخط الفاصل. وفي الواقع، أنفقت القدس حوالي 900 مليون دولار لهذه البنية التحتية، مما يعكس تقييمها الخطير للتهديد بعد أربع سنوات تقريباً على تدمير الأنفاق الهجومية العابرة للحدود إلى داخل إسرائيل التابعة لـ "قوة الرضوان".
ويواصل التقرير وصف البنية التحتية العسكرية المتوسعة لـ «حزب الله»: "منذ 30 نيسان/إبريل، شهدت «اليونيفيل» على تركيب حاويات وبنية تحتية جاهزة في 11 موقعاً... تطل على «الخط الأزرق»، على مقربة من يارون وحولا وعيتا الشعب وبليدة ورميش... وفي عدة حالات، تم تحذير جنود حفظ السلام التابعين لـ «اليونيفيل» من الدخول إلى هذه المناطق... وأكدت السلطات المحلية أن بعض الحاويات متواجدة على أراضٍ خاصة وبعضها تعود إلى منظمة «أخضر بلا حدود»"، في إشارة إلى الواجهة البيئية المستخدمة كغطاء لعدد من نقاط المراقبة العملياتية التابعة لـ «حزب الله».
والتقرير الحالي هو أيضاً التقرير الأول الذي يشير إلى أن «حزب الله» أجرى تدريبات على إطلاق النار في ميادين الرماية في جميع أنحاء جنوب لبنان: "في 2 آذار/مارس، رصدت دورية مروحية تابعة لـ «اليونيفيل» ميدان رماية بالقرب من زبقين، مع أفراد بملابس قتالية يحملون أسلحة هجومية. وفي وقت لاحق، حددت «اليونيفيل» ثلاثة ميادين رماية مماثلة من الجو في مواقع نائية بالقرب من القنطرة ودير عامص وفرون". ورُصدت تدريبات إضافية على الرماية في هذه المواقع في 12 أيار/مايو و 2 حزيران/يونيو و 6 حزيران/يونيو، ومن المؤكد تقريباً أن العدد الفعلي للتدريبات بالذخيرة الحية هو أكبر بكثير نظراً للعدد المحدود للدوريات الجوية لـ "اليونيفيل" ونطاق تغطيتها المحدود. بعبارة أخرى، ينتهك «حزب الله» بشكل متكرر "القرار 1701" بزي قتالي كامل، وفي وضح النهار، وبأعداد كبيرة في جميع أنحاء المنطقة الخاضعة لمسؤولية "اليونيفيل"، مما يشير إلى عدم اكتراثه مؤخراً لرصده من قبل المراقبة الجوية للأمم المتحدة حتى مع استمراره في منع الوصول البري إلى تلك المواقع.
وبالطبع، لدى «حزب الله» سجل حافل سابق في تفعيل قواته في الجنوب واستخدام مواقع منظمة "أخضر بلا حدود" لتهديد السكان اللبنانيين المحليين، ومهاجمة إسرائيل، وإعاقة وصول "اليونيفيل" إلى الخط الأزرق. ومع ذلك، تشير موجة تحركاته الحالية المتمثلة بالانتقال إلى مكان تواجد جديد في مواقع قيادة عملياتية وأنشطة تدريب غير متستّرة، إلى تعزيز عسكري أوسع نطاقاً يتخطى تعبيرات الأمين العام للأمم المتحدة عن "القلق".
ورداً على هذه الانتهاكات الصارخة، يشير التقرير إلى أن "«اليونيفيل» لم تتمكن بعد من الوصول بشكل كامل" إلى الكثير من المواقع المعنية - ولا عجب في ذلك بالنظر إلى أن الطلبات السابقة لقوة الأمم المتحدة للوصول إلى النفق ومواقع الإطلاق المستخدمة منذ 2018-2019 ما زالت معلّقة. ومنذ شباط/فبراير، تكثفت حملة «حزب الله» الرامية إلى عرقلة قوات "اليونيفيل" وترهيبها، وإصابة أفرادها، وإلحاق أضرار بمركباتها، وسرقة عتادها، مع الإبلاغ عما لا يقل عن 23 حادثة. ومع ذلك، على الرغم من وصف الأمين العام للأمم المتحدة للوضع بأنه "غير مقبول" وإشارته إلى "نقص متزايد في الوصول إلى المناطق المصنفة كممتلكات خاصة"، فإن الحل الأول الذي يقترحه حول "قيام السلطات اللبنانية بتوعية المجتمعات المحلية حول مهمة البعثة، من بينها حرية حركتها"، هو أنه كما لو كانت مشاكل الأمن والوصول التي تفاقمت بشكل مطرد على مدى ستة عشر عاماً مسألة وعي عام وليست استراتيجية مقصودة لـ «حزب الله».
ويقيناً، يتابع الأمين العام وصفه مشيراً إلى أن "الجيش اللبناني" والحكومة في بيروت لديهما "التزام" بالتحقيق في المضايقات التي تتعرض لها "اليونيفيل" ومحاسبة المهاجمين، لكن أجزاء أخرى من تقريره توضح كيف أن هذه الصيغة خاوية المضمون نظراً لعدم إحراز تقدم في الإجراءات الجنائية المتعلقة بالحوادث الماضية. وعلى الرغم من أهمية لفت النظر إلى الحالات المعلقة من آب/أغسطس 2018 وكانون الأول/ديسمبر 2021 وكانون الثاني/يناير 2022 من حيث تسليط الضوء على كيفية تخلي لبنان عن واجباته كبلد مضيف، فإن التذكير بمثل هذه النقاط لا يمكن أن يكون الأداة الوحيدة للأمم المتحدة لمعالجة المشكلة.
وحالياً، من المرجح أن يجدد مجلس الأمن ولاية "اليونيفيل" في وقت لاحق من هذا الشهر دون أي تغيير في حجمها أو ميزانيتها أو سلوكها أو حتى إعداد تقاريرها. وتستمر التقييمات الداخلية مثل تقرير الأمين العام في التشديد على المدخلات (على سبيل المثال، أعداد القوات، وتكرار الدوريات، ونقاط التفتيش) مع التقليل من أهمية المخرجات - أي التدهور المتسارع في مقاييس الأمن المحلية وزيادة قابلة للقياس في التعزيزات العسكرية غير المشروعة لـ «حزب الله» في جنوب لبنان. ومن المحتمل أن تقوم الدول الأعضاء بإدامة النهج الحالي من خلال استخدامها عبارات تافهة مثل "أزمة لبنان خطيرة للغاية" و"تغيير الأمور الآن سيوجه الرسالة الخاطئة". وبذلك، ستتجاهل الكثير من الحقائق الصعبة من بينها: أن الآلية الرئيسية للأمم المتحدة لمنع حرب أخرى (أي جعل "الجيش اللبناني" و"اليونيفيل" القوات المسلحة الوحيدة في الجنوب) قد فشلت ووصلت إلى حد الأزمة؛ وأن المصلحة الأساسية للأطراف في تجنب الحرب قد لا تفوق بعد الآن الخطر المتزايد لسوء التقدير، خاصة من قبل «حزب الله»؛ وأن [أهمية] الانهيار الاقتصادي الحالي في لبنان تتضاءل مقارنة بالدمار المؤكد الذي سينجم عن حرب أخرى. يجب ألا تدع الأمم المتحدة للأزمات السياسية والاقتصادية في لبنان أن تأخذ الأسبقية على الإجراءات التي يمكن أن تتخذها لتجنب حرب كارثية، ولا يزال إصلاح مهمة "اليونيفيل" الخيار الرئيسي رهن تصرفها.
ا** أساف أوريون هو "زميل ريؤفين الدولي" في معهد واشنطن
المصدر: خاص